Sharefa Hajjat

العلاقات العاطفية

رحلة العلاقات العاطفية: من نظرية التعلّق لدى الأطفال إلى أنماط التعلّق لدى الكبار

العلاقات العاطفية تعتبر نظرية التعلق أحد النظريات النفسية التي تركز على دراسة الروابط العاطفية والعلاقات بين الأفراد.

وقد نشأت هذه النظرية من خلال الأبحاث والدراسات التي قام بها علماء النفس على مر العقود الماضية، ومن بينهم جون بولبي، الذي يُعتبر واحدًا من أبرز الباحثين في هذا المجال.

تجربة بولبي

هي تجربة أجراها العالِم النفسي البريطاني جون بولبي (John Bowlby) في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين. كانت هذه التجربة جزءًا من بحوثه في مجال نظرية التعلق وتأثير العلاقات العاطفية بين الطفل والوالدين على نمو الشخصية والسلوك في مراحل الحياة المختلفة.

تهدف تجربة بولبي فى تجربة العلاقات العاطفية

إلى فهم كيفية استجابة الأطفال للانفصال المؤقت عن والديهم، وإلى تحديد أنماط التعلق التي يمكن أن تظهر لدى الأطفال خلال هذه الفترة. استُنتجت نتائج هذه التجربة من خلال دراسة ردود أفعال الأطفال الرضع الذين تتراوح أعمارهم بين 6 شهور وعامين تجاه والديهم وآخرين عندما يتم فصلهم عنهم وإعادتهم لهم في بيئة غريبة تُسمى “غرفة اللعب الغريبة” (Strange Situation).

 في تجربة العلاقات العاطفية ، يتم وضع الطفل ووالديه في غرفة لعب مجهولة للطفل تحت إشراف الباحث. يتم تصوير تفاعلات الطفل مع الوالدين عندما يكون الطفل في مرحلة الاستكشاف، ثم يترك الطفل بمفرده مع شخص غريب (الباحث)، ثم يعود الوالدين مرة أخرى ويتركان الطفل بمفرده، ثم يعود الوالدين للمرة الثانية.

العلاقات العاطفية

من خلال ملاحظة استجابات الطفل لهذه الفترات من الانفصال والعودة، قام بولبي بتحديد ثلاثة أنماط رئيسية للتعلق (العلاقات العاطفية):

 التعلق الآمن:

يظهر عند الأطفال الذين يشعرون بثقة وأمان عند وجود والديهم، وعندما يتم فصلهم عنهم يظهرون اكتئاباً وقلقاً ويسعون لاستعادة اتصالهم بهم عند عودتهم.

التعلق المُتَجَنِّب:

يظهر عند الأطفال الذين يعبرون عن استقلالية شديدة وعدم الحاجة للالتصاق بالوالدين عند الانفصال والعودة، ويبدو أنهم يتجنبون التفاعل معهم.

التعلق المُقاوم:

يظهر عند الأطفال الذين يظهرون قلقاً ومزاجية عند الانفصال، وعند عودة الوالدين يبدو أنهم يشعرون بالتنافر ويصعب تهدئتهم.

 

تعتبر هذه التجربة أحد أهم الأدوات التي ساعدت في تحديد أنماط التعلق لدى الأطفال والتي ترتبط بتطور الشخصية في مراحل الحياة المختلفة، وتُعَدُّ من الأبحاث الرئيسية في مجال علم النفس الاجتماعي و العلاقات العاطفية.

استنتج بولبي من هذه التجارب أن هناك أنماطاً مختلفة من التعلق تظهر لدى الأطفال، وهذه الأنماط تعكس تفاعلاتهم العاطفية والاجتماعية وطريقة تعاملهم مع العالم من حولهم فى العلاقات العاطفية. استند بولبي في دراسته إلى فكرة أن الطفل يعتمد على الشخص الذي يعتبره نقطة أمان له، وهذا الشخص غالباً ما يكون الأم أو الوالد أو مقدم الرعاية المقرب.

تم ربط تجربة بولبي بأنماط التعلق لدى الكبار من خلال الدراسات التي أجريت لاحقاً على هذا الموضوع. بناءً على نتائج تجارب بولبي وآخرين في مجال التعلق ونماذج الاستجابة العاطفية للأطفال، تم تحديد أربعة أنماط رئيسية للتعلق لدى الكبار.

العلاقات العاطفية

وقد أثبتت هذه الدراسات أن أنماط التعلق التي يظهرها الأطفال في مراحل الطفولة ترتبط بشكل كبير بأنماط التعلق التي يظهرها الكبار في علاقاتهم وحياتهم الاجتماعية.

الأنماط الرئيسية للتعلق لدى الكبار هي العلاقات العاطفية:

1. التعلق الآمن “Secure Attachment”:

يشمل الأشخاص الذين يشعرون بثقة وأمان في العلاقات، ويشعرون بقدرة الآخرين على دعمهم واحترام احتياجاتهم العاطفية والانفعالية. يكون لديهم القدرة على إظهار التعلق والتعبير عن مشاعرهم بصدق وثقة.

2. التعلق المُتَجَنِّب “Avoidant Attachment”:

يشمل الأشخاص الذين يفضلون عدم الاعتماد الشديد على الآخرين ويتجنبون الانفعالات العاطفية القوية وإظهار التعلق الواضح. قد يكون لديهم صعوبة في الوثوق بالآخرين وفتح قلوبهم بسهولة.

3. التعلق القَلِق والانشغال”Anxious-Preoccupied Attachment”:

يشمل الأشخاص الذين يظهرون القلق والتوتر في العلاقات ويعبرون عن الاعتماد الزائد على الآخرين والحاجة المستمرة للتأكيد والاهتمام. يمكن أن يكونوا عاطفيين بشكل مفرط ويتجاوزون بسهولة الحدود الشخصية للآخرين.

4. التعلق المتقلِّب “Disorganized Attachment” :

يشمل الأشخاص الذين يظهرون نمطاً متقلباً للتعلق، حيث يبدو أنهم يتأرجحون بين التعلق الوثيق والتجنب والقلق. يمكن أن يظهروا تناقضاً بين رغبتهم في الاقتراب من الآخرين وخوفهم من الالتصاق.

تشير الدراسات إلى أن نماذج التعلق لدى الكبار يمكن أن تتأثر بعدة عوامل، بما في ذلك تجارب الطفولة المبكرة وطريقة تفاعل الوالدين مع الطفل والبيئة الاجتماعية المحيطة بهم. يمكن أن تؤدي تجارب التعلق في الطفولة إلى تشكيل نمط تعلق ثابت يستمر طوال حياة الشخص، وهو ما يعزز أهمية فهم التعلق العاطفي في التطور الشخصي والاجتماعي للأفراد.

في ختام هذا الموضوع،

يمكن القول إن نظرية التعلق هي إحدى النظريات النفسية المهمة التي تسلط الضوء على أهمية العلاقات العاطفية وتأثيرها على نمو الشخصية والسلوك لدى الأطفال والكبار على حد سواء. تجربة بولبي وتجارب أخرى ساهمت في تحديد أنماط التعلق لدى الأطفال والكبار، مما يساعدنا على فهم طبيعة العلاقات الإنسانية وتأثيرها على تطور الذات والتفاعلات الاجتماعية.

التعلق الآمن يمنحنا الثقة في العلاقات والقدرة على التفاعل بصدق وصراحة، في حين أن التعلق المُتَجَنِّب يجعلنا نتجنب التعاطف العاطفي بشكل زائد ونظهر استقلالية شديدة.

أما التعلق القَلِق فيجعلنا نظهر قلقاً وتوتراً في العلاقات ونعبر عن الاعتماد المستمر على الآخرين. أما التعلق المتقلب فيعرضنا لتناقضات بين الرغبة في الاقتراب والخوف من الالتصاق.

تلك الأنماط العاطفية(العلاقات العاطفية) تشكل جزءاً أساسياً من شخصيتنا وطريقتنا في التفاعل مع العالم من حولنا. من خلال فهم هذه النماذج، يمكننا أن نعمل على تحسين العلاقات الاجتماعية وبناء روابط أكثر صحة وثقة مع الآخرين.

لذلك، يجب أن نُرَاعِي أهمية فهم أنماط العلاقات العاطفية لدينا ولدى الآخرين، وأن نعمل على تطوير الجوانب الإيجابية في شخصيتنا لنتمكن من بناء علاقات صحية ودائمة مع من نحب ومن حولنا. إن تعزيز الوعي بأنماط التعلق والتفاهم المتبادل يمكن أن يسهم في تحسين جودة الحياة ورفاهية النفس للجميع.

إقرأ أيضاً

Scroll to Top