المقدمة
في عالم الأعمال الحديث، تتجاوز القيمة الحقيقية للشركات مجرد الأرقام والإحصاءات المالية. بل تتجسد في الأشخاص والعلاقات الذين يشكلون الشركة. العلاقات الصحية في مجال العمل هي المحرك الرئيسي للنجاح والتقدم.
وهي تأتي من مزيج من الثقة المتبادلة، الاحترام، والتقدير للآخرين. هذه العلاقات تبنى على أساس التواصل الفعّال، التعاون، والنقاشات البناءة. عندما تكون هذه العناصر موجودة، يمكن للفرق أن تتفوق وتحقق نتائج أفضل.
أهمية العلاقات الصحية في العمل
في الواقع، تعتبر العلاقات الصحية في العمل ضرورة وليست فقط رغبة. تتجلى أهميتها في تأثيرها على سلوكيات العاملين وأدائهم، وعلى المنظمة ككل. العلاقات الإيجابية بين الزملاء تسهم في خلق بيئة عمل سليمة تعزز من الإلتزام والإنتاجية، وتقلل من الغياب والتدور الوظيفي.
في حين توفر العلاقات الصحية بين العاملين والقادة ثقافة تعاونية تتيح للأفراد التطور والنمو. إضافةً إلى ذلك، البحوث المتعددة، بما فيها الدراسة التي أجرتها جامعة “هارفارد”، تؤكد أن العلاقات الإيجابية في العمل تساهم في تعزيز الراحة النفسية للموظفين، وتقلل من مستوى التوتر والإجهاد، مما يؤدي إلى زيادة الأداء والإنتاجية.
نصائح لتحسين العلاقات في العمل
تعزيز الاتصال:
الاتصال الفعّال هو عنصر أساسي في تطوير العلاقات الصحية. يتضمن ذلك التواصل الواضح والفعّال، الاستماع الجيد، والرد بشكل مناسب. تعلم كيفية تقديم النقد البناء وكيفية قبوله، وضمان أن الأفكار والآراء يتم مشاركتها بطريقة تعزز التعاون بدلاً من النزاع.
التقدير والاعتراف:
الاعتراف بالإنجازات والجهود يمكن أن يعزز من معنويات الفريق ويبني بيئة عمل إيجابية. بالإضافة إلى ذلك، يشجع التقدير على الإبداع والمبادرة ويعزز الولاء للشركة.
تعزيز الثقة:
الثقة هي ركيزة العلاقات الجيدة. يمكن بناء الثقة من خلال الصدق والشفافية في التواصل وعدم خوف الأخطاء.
تطوير الفرق الإيجابية:
يجب تشجيع التعاون والعمل الجماعي في الفرق وتقديم الدعم لتحقيق الأهداف المشتركة.
الرعاية النفسية في العمل:
يجب توفير الدعم النفسي والعاطفي في مكان العمل والتعامل مع الضغوط النفسية والعاطفية بشكل فعال.
مثال على العلاقات الصحية فى العمل
تُعتبر شركة “غوغل” رائدة في مجال توفير بيئة عمل صحية وإيجابية من خلال تشجيع التواصل الفعّال، وتقديم الدعم والموارد اللازمة للعاملين، والاعتراف بجهود الفريق. يعزز ذلك الرضا عن العمل، ويزيد من الإلتزام والإنتاجية.
وتُعدُ الشركة مثالاً بارزاً على كيف يمكن للشركات أن تدعم العلاقات الصحية في العمل. اليك بعض الأمثلة:
- مكان العمل:
تُقدم “غوغل” مكان عمل يضج بالحيوية والإبداع، حيث يتم تصميم المكاتب لتشجيع التعاون والتفاعل الإيجابي. العديد من المواقع تحتوي على مرافق راحة مثل الصالات الرياضية، والمقاهي، وحتى غرف النوم، وهي ميزات تُعزز الرفاهية والإنتاجية. - المرونة في ساعات العمل:
تقدر “غوغل” قيمة التوازن بين العمل والحياة الشخصية، ولذلك تُتيح المرونة في ساعات العمل. يمكن للموظفين بدء يومهم في الوقت الذي يناسبهم، ما داموا يحققون أهدافهم ويحضرون الاجتماعات والمواعيد الهامة. - التقييم على أساس تحقيق الأهداف:
بدلاً من التركيز على عدد ساعات العمل، تُركز “غوغل” على تحقيق الأهداف. تستخدم الشركة نظام الأهداف والنتائج الرئيسية (OKR) لقياس الأداء، حيث يتم تحديد الأهداف الاستراتيجية والنتائج المتوقعة في بداية كل ربع سنوي، وتُقيم الأداء بناءً على مدى تحقيق هذه الأهداف. - العمل عن بُعد:
واجهت الشركة تحديات العمل في زمن كوفيد-19 عبر تقديم خيارات العمل عن بُعد لموظفيها، مع الحفاظ على تعزيز التواصل والتعاون والتفاعل الإيجابي بين الفرق.
كل هذه الإستراتيجيات تُسهم في خلق بيئة عمل صحية وإيجابية تدعم العلاقات الصحية وتحقق أداءً أفضل.
بيئات العمل بعد جائحة كوفيد-19
أدت جائحة كوفيد-19 إلى تغيرات جذرية في طريقة العمل في العديد من الدول حول العالم. وقد رأينا تحولاً كبيراً نحو العمل عن بُعد والمرونة في ساعات العمل، حتى أن بعض الدول قد بدأت بتقليص ساعات العمل وزيادة مدة عطلة نهاية الأسبوع.
على سبيل المثال، في عام 2021، أعلنت إسبانيا عن خطط لتجربة أسبوع عمل من أربعة أيام، وهو ما يعكس التحولات الكبيرة في توقعات العمل والحياة المهنية. بينما بدأت فنلندا، التي تُعتبر من بين أكثر الدول التي تُمارس العمل عن بُعد في أوروبا، بتجربة تقليص ساعات العمل إلى أربعة أيام في الأسبوع أو ست ساعات في اليوم دون خفض الأجور.
كما أعلنت اليابان، التي لطالما كانت معروفة بثقافة العمل الطويلة والمضنية، عن مبادرات لتشجيع الشركات على السماح للموظفين بالعمل من المنزل وتقليل ساعات العمل الإضافية.
وفي العام الماضي 2022، قامت الإمارات العربية المتحدة بزيادة عدد أيام العطلة الأسبوعية لتشمل يوم الجمعة، بالإضافة إلى أيام السبت والأحد في إطار تطبيق المزيد من الاستراتيجيات لتحسين بيئة العمل وتعزيز الانتاجية في العمل، خاصة وأنها تُعتبر من الدول الرائدة في منطقة الشرق الأوسط في مجال التحولات الرقمية والابتكار في مجال الأعمال.
كل هذه الإجراءات تساهم في تحسين العلاقات الصحية في مكان العمل بشكل عام:
حيث تتيح المزيد من التوازن بين العمل والحياة الشخصية وتقلل من الإجهاد والاحتراق الوظيفي.بالإضافة إلى ذلك، تُظهر الأبحاث أن التحولات نحو العمل عن بُعد وتقليص ساعات العمل قد تُساهم أيضًا في زيادة الإنتاجية.
وهو ما يعكس مدى أهمية التوجه نحو ممارسات العمل الأكثر صحة ومستدامة.
الخاتمة
العلاقات الصحية في العمل تتطلب جهدًا متواصلاً وتركيزًا على النواحي البشرية للعمل. عبر التركيز على التواصل الفعّال، والثقة، والاحترام، يمكننا بناء فرق تتفوق وتزدهر، ومنظمات قوية تصل إلى أعلى مستويات الأداء.
من خلال تنفيذ هذه النصائح والممارسات الجيدة في بيئتك العملية، يمكنك تحقيق تحسين كبير في العلاقات العملية وبالتالي الأداء العام للشركة.